إبراهيم سليم (أبوظبي)

أكد الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحِّدين الدُّروز في لبنان، أنه مما لا شك فيه أن الزيارة المرتقبة لقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى الإمارات، تكتسب أهمية كبرى، وتسعى دولة الإمارات العربية المتحدة، وغيرها من الدول العربية المعنية، إلى تكريس سياسة الاعتدال والانفتاح، وردَّ الهجمة على الإسلام باتّهامه بالغلوّ والتطرُّف، بالتأكيد قولاً وعملاً، أن الإسلام رسالة رحمة ومحبة وقبولٍ للآخر واحترامٍ لكرامة الإنسان أيَّاً كان. وأضاف: وما الزيارة المقرَّرة لقداسة البابا إلى الإمارات سوى خطوةٍ أساسيّة رمزية تؤكِّد صدقية الإمارات التي تلتقي مع صدقية الفاتيكان في زرع بذور التسامح والاعتدال والإنسانية في العالم.

قال الشيخ الدكتور سامي أبي المنى: «لا نبالغ إذا قلنا إن الإمارات شكّلت في هذا العصر النموذج الأرقى للتسامح والانفتاح والطمأنينة لجميع أتباع الأديان من العالم»، من خلال رؤية إسلامية راقية ونهجٍ إنسانيٍّ واضحٍ وشفَّاف، ومن خلال العديد من المؤسسات الحوارية والثقافية التي ترعاها الدولة، والتي تساهم في تعزيز ثقافة الحوار والتسامح والسلم، والإمارات هي الأُولى، والأَوْلى بقيادة سفينة الحوار والتلاقي وبناء السلام، بقيادتها الحكيمة، وبما تمتلكه من رؤية صائبة ومن إمكاناتٍ ماديةٍ ومعنوية، وما الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، سوى رسالة دعمٍ لهذه السياسة الرائدة وتأكيد على صوابيّتها».
وأوضح أن تأثير الزيارة الروحي بين أصحاب الديانات السماوية سيكون له تأثير كبير، انطلاقاً من موقع قداسة البابا المؤثّر، ومن مكانة الإمارات العالمية وسياستها المنفتحة، فقداستُه المرجعُ الأول للمسيحية في العالم، ورسالته رسالة المحبة والجمع والرقيِّ الإنساني، وقيادة الإمارات ومسؤولوها يتميَّزون برؤية متقدِّمة وبعلاقاتٍ منفتحة مع العالم الإسلامي ومع دول العالَم، وبالأخصّ مع مواقع التأثير الإسلامي، كالأزهر الشريف والمملكة العربية السعودية وسواهما، ما سيجعل هذه الزيارة محلّ اهتمام ومشاركة من الجميع ومحطّ أنظار المهتمين بالحوار والتقارب ورسالة التسامح والسلام.

الحوار بين الأديان
وحول أهمية الحوار بين الأديان، قال «أبي المنى»: إن للحوار الديني فلسفته وأصوله، فهو يقوم على الإقرار بالجوهر واكتشاف الوحدة في التنوّع، من خلال البحث في عناوين أساسية مشتركة بين الأديان، إذ هي مظاهر متعددة لحقيقة واحدة، ومع الاعتراف بهذا الجوهر الواحد للأديان، أي بمبدأ الوحدة، وبأنّ كلَّ دين يعبّر بطريقته الخاصة عن كل عنصر من عناصر الإيمان التي يتكون منها هذا الجوهر، فإننا نحصل على فلسفة جديدة للحوار بين الأديان، يمكن أن نسمّيها فلسفة الوحدة في التنوّع. وفي ضوء هذه الفلسفة، يغدو هدف الحوار الديني حملَ الآخر الذي نتحاور وإياه، ليس على هجر دينه واعتناق ديننا، بل على الإقرار بهذا الجوهر الواحد، واكتشاف الدين في الأديان، أي اكتشاف الحقيقة والوحدة في التنوّع.

تحقيق السلام
وقال الشيخ الدكتور سامي أبي المنى: شددت الأديان على أهمية الحوار بين البشر، وحدد القرآن الكريم علاقة المسلم مع الآخر من خلال المبدأ القرآني الواضح: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..."، أي لا فرض ولا إجبار، بل اقتناعٌ واختيار، واختصرها الحديث الشريف بالقول: «المسلم من سَلِمَ الناس من لسانه ويده». وعلى هذه القاعدة بنى أهل الحوار تَوجّهاتهم، واتّفقوا على أن هدف الحوار الأوّل هو تحقيق السلام، وأن ذلك ينطلق من تحقيق السلام بين المؤمنين أولاً، فدور الأديان أساسي في تحقيق مجتمع السلام، وهي التي جاءت لتكمّل النعمة الإلهية، بحيث لا ينقض التالي منها ما سبق، ذلك أن الرسالات السماوية التي أوحى بها الله تعالى وأرسلها عبر الأنبياء والرسل جاءت كلّها من أجل الإنسان، والإنسانُ مؤتمَنٌ عليها، بل هي وسيلته لتحقيق إنسانيته، وذلك لا يكون إلا بعيش الدين بصدقٍ وإخلاص، واحترام الأخوّة الإنسانية وعيشها بمحبةٍ ورحمة، فإذا كانت المحبة هي رسالة المسيحية: «أحِبّوا بعضكم بعضاً»، فإن الرحمة هي رسالة الإسلام: «وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين».
وقال: إن الحوار مطلبٌ دينيٌّ قبل أن يكون أي شيء آخر، لأن البديل عنه تفشّي العنف وشريعة الغاب وانهيار البشرية، وهو لا يعني دعوة الآخر إلى مغادرة موقعه الطبيعي، وإنما هو شهادة وتعريف وتقريب لوجهات النظر وتوضيح للمفاهيم، ودعوة إلى المصالحة والسلام وعيش الحياة المشتركة، وهذا يبدأ أولاً على مستوى الذات، بالتخلص من رواسب لغة النفي والإقصاء والتخوين وكل المفردات التي تُلغي الآخر، ولا تسمح بالحوار معه، والسعي الحثيث لاكتشاف المساحة المشتركة وبلورتها والانطلاق منها مجدّداً ومعاً. إنه تعبيرٌ عملي عن القيم الدينية المشتركة التي تؤسس لمعاني التنوّع والتعارف وكرامة الإنسان والعدالة والحق والإحسان والمودة والمحبة والرحمة وعمارة الأرض.

رسالة الأديان واحدة
وأشار إلى أن اللقاءات بين القادة الدينيين ليست هي الوحيدة الكفيلة بإحلال السلام العالمي، وإنَّما هي ضرورةٌ لابدَّ منها لتعبيد الطريق نحو السلام، ولإعطاء إشارة إيجابية إلى الدول والحكام والمسؤولين والشعوب بأنَّ رسالة الأديان واحدة، وأنَّ الاختلاف في الاعتقاد أو الممارسة يجب ألا يكون سبيلاً إلى الخلاف والصراع والكراهية، بل إن التنوُّع هو إرادة الله ومسؤولية الإنسان وأهل الإيمان بأن ينيروا بعقولهم وإيمانهم الصحيح سُبُلَ التفاهم والعيش معاً، ومن أجدر من القادة الدينيين بالتعمُّق في معرفة الحقيقة الجامعة والارتقاء بالمؤمنين إلى هذا المستوى من الفَهم والعيش والإنسانية.